كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لذلك يقول أحد العارفين:
يَا مَنْ تُضَايقه الفعَالُ منَ التي وَمنَ الذي ** ادْفَعْ فديْتُكَ بالتي حتى تَرى فإذَا الذي

والمعنى: من التي تسيء إليك، أو الذي يسيء إليك {ادفع بالتي هيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] حتى ترى {فَإذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَة كَأَنهُ وَلي حَميم} [فصلت: 34].
وأذكر أنه جاءني شاب يقول: إن عمي مُوسر، وأنا فقير، وهو يتركني ويتمتع بماله غيري، فقلت له: بالله أتحب النعمة عند عمك؟ فسكت، قلت له: إذن أنت لا تحبها عنده، لكن اعلم أن النعمة تحب صاحبها أكثر من حُب صاحبها لها؛ لذلك لا تذهب إلى كارهها عند صاحبها.
فما عليك إلا أنْ تثوب إلى الحق، وأنْ تتخلص مما تجد في قلبك لعمك، وثقْ بأن الله هو الرزاق، وإنْ أردتَ نعمة رأيتها عند أحد فأحببها عنده، وسوف تأتيك إلى بابك، لأنك حين تكره النعمة عند غيرك تعترض على قدر الله.
بعد هذا الحوار مع الرجل- والله يشهد- دَق جرس الباب، فإذا به يقول لي: أما دريتَ بما حدث؟ قلت: ماذا؟ قال: جاءني عمي قبل الفجر بساعة، فلما أنْ فتحت له الباب انهال علي ضَرْبًا وشَتْمًا يقول: لماذا تتركني للأجانب يأكلون مالي وأنت موجود؟ ثم أعطاني المفاتيح وقال: من الصباح تباشر عملي بنفسك.
فقلت له: لقد أحببتها عند عمك، فجاءت تطرق بابك.
وقوله سبحانه: {إلا الذين ظَلَمُوا منْهُمْ} [العنكبوت: 46] أي: ظلموا أنفسهم بالشرك؛ لأن الله تعالى قال: {إن الشرك لَظُلْم عَظيم} [لقمان: 13] تظلم نفسك لا تظلم الله؛ لأن الظالم يكون أقوى من المظلوم. وجعل الشرك ظلمًا عظيمًا لأنه ذنب لا يغفر: {إن الله لاَ يَغْفرُ أَن يُشْرَكَ به وَيَغْفرُ مَا دُونَ ذلك لمَن يَشَاءُ} [النساء: 116].
فالشرك ظلم عظيم عليك نفسك، أما الذنوب دون الشرك فلها مخرج، وقد تنفك عنها إما التوبة برحمة الله ومغفرته.
ثم يُعلمنا الحق تبارك وتعالى التي هي أحسن في الرد على الذين ظلموا منهم: {وقولوا آمَنا بالذي أُنزلَ إلَيْنَا وَأُنزلَ إلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحد وَنَحْنُ لَهُ مُسْلمُونَ} [العنكبوت: 46].
يعني: فعلامَ الاختلاف، ما دام أن الإله واحد، وما دام أن كتابكم يذكر الرسول الذي يأتي بعد رسولكم، وقد سبق رسولكم رسل، فكان يجب عليكم أن تؤمنوا به، وأنْ تُصدقوه.
جاءت امرأة تشتكي أن زوجها لم يُوف بما وعدها به، وقد اشترطتْ عليه قبل الزواج ألا يذهب إلى زوجته الأولى، فقُلْت لها: يعني أنت الثانية وقد رضيت به وهو متزوج؟ قالت: نعم، قلت: فلماذا رضيت به؟ قالت: أعجبني وأعجبته، قلت: فلا مانع إذن أنْ تعجبه أخرى فيتزوجها، وتقول له: إياك أنْ تذهب إلى الثانية، فهل هذا يعجبك؟ إذن: فاحترمي حق الأولى فيه، لتحترم الثالثة حقك فيه، فقامت وانصرفت.
وقال: {وإلهنا وإلهكم وَاحد} [العنكبوت: 46] لأن الكلام هنا للذين ظلموا وقالوا بالتعدد.
وهنا قال تعالى: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلمُونَ} [العنكبوت: 46] ولم يقل مثلًا: ونحن به مؤمنون، ولماذا؟ لأن الإيمان عقيدة قلبية أنْ تؤمن بإله، أما الإيمان فليس كلامًا، الإيمان أن تثق به، وأنْ تأمنه على أنْ يُشرع لك، وأنْ يُسلم له الأمر افعل كذا ولا تفعل كذا، وهناك أناس ليسوا بمؤمنين بقلوبهم، ومع ذلك يعملون عمل المسلمين، إنهم المنافقون.
لذلك يقول تعالى: {قَالَت الأعراب آمَنا قُل لمْ تُؤْمنُوا ولكن قولوا أَسْلَمْنَا وَلَما يَدْخُل الإيمان في قُلُوبكُمْ} [الحجرات: 14].
إذن: فَرْق بين إيمان وإسلام، فقد يتوفر أحدهما دون الآخر؛ لذلك قال سبحانه: {والعصر إن الإنسان لَفى خُسْرٍ إلا الذين آمَنُوا وَعَملُوا الصالحات} [العصر: 1-3] فقال هنا: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلمُونَ} [العنكبوت: 46] يعني: مُنفذين لتعاليم ديننا.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَكَذَلكَ أَنزَلْنَآ إلَيْكَ الكتاب}.
قوله تعالى: {وَكَذَلكَ أَنزَلْنَآ إلَيْكَ الكتاب} [العنكبوت: 47] أي: كما أنزلنا كتبًا على مَنْ سبقك أنزلنا إليك كتابًا يحمل منهجًا، والكتب السماوية قسمان: قسم يحمل منهج الرسول في افعل كذا ولا تفعل كذا، وذلك شركة في كل الكتب التي أُنزلَتْ على الرسل، وكتاب واحد هو القرآن، هو الذي جاء بالمنهج والمعجزة معًا.
فكل الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم كان للواحد منهم كتاب فيه منهج ومعجزة منفصلة عن المنهج، فموسى عليه السلام كان كتابه التوراة، ومعجزته العصا، وعيسى عليه السلام كان كتابه الإنجيل، ومعجزته إحياء الموتى بإذن الله.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتابه القرآن ومعجزته القرآن، فانظر كيف التقت المعجزة بالمنهج لتظل لصيقة به؛ لأن زمن رسالة محمد ممتد إلى قيام الساعة، فلابد أنْ تظل المعجزة موجودة ليقول الناس محمد رسول الله، وهذه معجزته.
في حين لا نستطيع مثلًا أن نقول: هذا عيسى رسول الله وهذه معجزته؛ لأنها ليست باقية، ولم نعرفها إلا من خلال إخبار القرآن بها، وهذا يُوضح لنا فَضْل القرآن على الرسل وعلى معجزاتهم حيث ثبتها عند كل مَنْ لم يَرهَا، فكل مَنْ آمن بالقرآن آمن بها.
لكن، أكُل رسول يأتي بمعجزة؟ المعجزة لا تأتي إلا لمن تحداه، واتهمه بالكذب، فتأتي المعجزة لتثبت صدْقه في البلاغ عن ربه؛ لذلك نجد مثلًا أن سيدنا شيثًا وإدريس وشَعيبًا ليست لهم معجزات.
وأبو بكر- رضي الله عنه- والسيدة خديجة أم المؤمنين هل كانا في حاجة إلى معجزة ليؤمنا برسول الله؟ أبدًا، فبمجرد أنْ قال: أنا رسول الله آمنوا به، فما الداعي للمعجزة إذن؟
إذن: تميز صلى الله عليه وسلم على إخوانه الرسل بأن كتابه هو عَيْن معجزته وسبق أنْ قلنا: إن الحق تبارك وتعالى يجعل المعجزة من جنس ما نبغ فيه القوم، فلو تحداهم بشيء لا علْم لهم به لقالوا: نحن لا نعلم هذا، فكيف تتحدانا به؟ والعرب كانوا أهل فصاحة وبيان، وكانوا يقيمون للقوْل أسواقًا ومناسبات، فتحداهم بفصاحة القرآن وبلاغته أنْ يأتوا بمثله، ثم بعشر سُور، ثم بسورة واحدة، فما استطاعوا، والقرآن كلام من جنس كلامهم، وبنفس حروفهم وكلماتهم، إلا أن المتكلم بالقرآن هو الله تعالى؛ لذلك لا يأتي أحد بمثله.
والقرآن أيضًا كتاب يهيمن على كل الكتب السابقة عليه، يُبقي منها ما يشاء من الأحكام، ويُنهي ما يشاء. أما العقائد فهي ثابتة لا نسخَ فيها، وأيضًا لا نسخَ في القصص والأخبار.
والنسْخ لا يتأتى إلا في التشريع بالأحكام افعل ولا تفعل، ذلك لأن التشريع يأتي مناسبًا لأدواء البيئات المختلفة.
لذلك كان بعض الرسل يتعاصرون كإبراهيم ولوط، وموسى وشعيب، عليهم السلام، ولكل منهم رسالته؛ لأنه متوجه إلى مكان بعينه ليعالج فيه داءً من الداءات، في زمن انقطعت فيه سُبُل الالتقاء بين البيئات المختلفة، فالجماعة في مكان ربما لا يَدْرون بغيرهم في بيئة مجاورة.
أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد جاء- كما يعلم ربه أَزَلًا- على موعد مع التقاء البيئات وتداخُل الحضارات، فالحدث يتم في آخر الدنيا، نعلم به، بل، ونشاهده في التو واللحظة، وكأنه في بلادنا. إذن: فالداءات ستتحد أيضًا، وما دامت داءات الأمم المختلفة قد اتحدتْ فيكفي لها رسول واحد يعالجها، ويكون رسولًا لكل البشر.
ثم يقول سبحانه: {فالذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب} [العنكبوت: 47] أي: من قبلك {يُؤْمنُونَ به} [العنكبوت: 47] لأنه لا سلطة زمنية تعزلهم عن الكتاب الجديد، فينظرون في أوصاف النبي الجديد التي وردتْ في كتبهم ثم يطابقونها على أوصاف رسول الله؛ لذلك لما بلغ سلمان الفارسي أن بمكة نبيًا جديدًا، ذهب إلى سيدنا رسول الله، وأخذ يتأمله وينظر إليه بإمعان، فوجد فيه علامتين مما ذكرتْ الكتب السابقة، وهما أنه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة، فراح ينظر هنا وهناك لعله يرى الثالثة، ففطن إليه رسول الله بما آتاه الله من فطْنة النبوة التي أودعها الله فيه، وقال: لعلك تريد هذا، وكشف له عن خاتم النبوة، وهو العلامة الثالثة.
ومن لباقة سيدنا عبد الله بن سلام، وقد ذهب إلى سيدنا رسول الله وهو- ابن سلام- على يهوديته- فقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهْت- يعني يُكثرون الجدال دون جدوى- وأخشى إنْ أعلنتُ إسلامي أن يسبوني، وأن يظلموني، ويقولوا في فُحْشًا، فأريد يا رسول الله إنْ جاءوك أن تسألهم عني، فإذا قالوا ما قالوا أعلنت إسلامي، فلما جاء جماعة من اليهود إلى رسول الله سألهم: ما تقولون في عبد الله بن سلام؟ قالوا: شيخنا وحَبْرنا وسيدنا. إلخ فقال عبد الله: أما وقد قالوا في ما قالوا: يا رسول الله، فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقالوا لتوهم: بل أنت شرنا وابن شرنا، ونالوا منه، فقال عبد الله: ألم أقُلْ لك يا رسول الله أنهم قوم بُهْت؟
وقوله سبحانه: {وَمنْ هؤلاء مَن يُؤْمنُ به} [العنكبوت: 47] أي: من كفار مكة مَنْ سيأتي بعد هؤلاء، فيؤمن بالقرآن {وَمَا يَجْحَدُ بآيَاتنَآ إلا الكافرون} [العنكبوت: 47] الجحد: إنكار متعمد؛ لأن من الإنكار ما يكون عن جهل مثلًا، والجحد يأتي من أن النسب إما نفي، وإما إثبات، فإنْ قال اللسان نسبة إيجاب، وفي القلب سَلْب أو قال سلب وفي القلب إيجاب، فهذا ما نُسميه الجحود.
لذلك يُفرق القرآن بين صيغة اللفظ ووجدانيات اللفظ في النفس، واقرأ مثلًا قول الله تعالى: {إذَا جَاءَكَ المنافقون قَالُوا نَشْهَدُ إنكَ لَرَسُولُ الله} [المنافقون: 1] وهذا منهم كلام طيب وجميل {والله يَعْلَمُ إنكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: 1] أي: أنه كلام وافق علم الله، لكن {والله يَشْهَدُ إن المنافقين لَكَاذبُونَ} [المنافقون: 1] فكيف يحكم الحق عليهم بالكذب، وقد قالوا ما وافق علم الله؟
نقول: كلام الله يحتاج إلى تدبر لمعناه، فالحق يحكم عليهم بأنهم كاذبون، لا في قولهم: إنك لرسول الله، فهذه حق، بل في شهادتهم؛ لأنها شهادة باللسان لا يوافقها اعتقاد القلب، فالمشهود به حق، لكن الشهادة كذب.
لكن، لماذا خَص الكافرين في مسألة الجحود؟ قالوا: لأن غيرالكافر عنده يقظة وجدان، فلا يجرؤ على هذه الكلمة؛ لأنه يعلم أن الله تعالى لا يأخذ الناس بذنوبهم الآن، إنما يُؤجلها لهم ليوم الحساب، فهذه المسألة تحجزهم عن الجحود.
{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو منْ قَبْله منْ كتَابٍ وَلَا تَخُطهُ بيَمينكَ إذًا لَارْتَابَ الْمُبْطلُونَ (48)}.
قوله: {تَتْلُوا} [العنكبوت: 48] أي: تقرأ، واختار تتلو لأنك لا تقرأ إلا ما سمعت، فكأن قراءتك لما سمعت تجعل قولك تاليًا لما سمعتَ، نقول: يتلوه يعني: يأتي بعده {وَلاَ تَخُطهُ بيَمينكَ} [العنكبوت: 48] يعني: الكتابة.
وفَرْق بين أنْ تقرأ، وبين أنْ تكتب، فقد تقرأ لأنك تحفظ، وتحفظ نتيجة السماع، كإخواننا الذين ابتلاهم الله بكف نظرهم ويقرأون، إنما يقرأون ما سمعوه؛ لأن السمع كما قلنا أول حاسة تؤدي مهمتها في الإنسان، فمن الممكن أن تحفظ ما سمعت، أما أن تكتبه فهذا شيء آخر.
والكلام هنا لون من ألوان الجدل والإقناع لكفار قريش الذين يُكذبون رسول الله، ولوْن من ألوان التسلية لرسول الله، كأنه يقول سبحانه لرسوله: اطمئن. فتكذيب هؤلاء لك افتراء عليك؛ لأنك ما تلوْتَ قبله كتابًا ولا كتبته بيمينك، وهم يعرفون سيرتك فيهم.
كما قال سبحانه في موضع آخر: {فَقَدْ لَبثْتُ فيكُمْ عُمُرًا من قَبْله أَفَلاَ تَعْقلُونَ} [يونس: 16].
أربعون سنة قضاها رسول الله بين قومه قبل البعثة، ما جربوا عليه قراءة ولا كتابة ولا خطبة، ولا نمق قصيدة، فكيف تُكذبونه الآن؟
فإن قالوا: كانت عبقرية عند محمد أجلها حتى سن الأربعين. نقول: العبقرية عادة مَا تأتي في أواخر العقد الثاني من العمر في السابعة عشرة، أو الثامنة عشرة، ومَنْ ضمن لمحمد البقاء حتى سن الأربعين، وهو يرى مصارع أهله، جده وأبيه وأمه؟
لو كان عندك شيء من القراءة أو الكتابة لكان لهم عذر، ولكان في الأمر شبهة تدعو إلى الارتياب في أمرك، كما قالوا: {وقالوا أَسَاطيرُ الأولين اكتتبها فَهيَ تملى عَلَيْه بُكْرَةً وَأَصيلًا} [الفرقان: 5].
وقالوا: {إنمَا يُعَلمُهُ بَشَر} [النحل: 103] فرد القرآن عليهم {لسَانُ الذي يُلْحدُونَ إلَيْه أَعْجَمي وهذا لسَان عَرَبي مبين} [النحل: 103].
وقالوا: ساحر. وقالوا: شاعر. وقالوا: مجنون. وكلها افتراءات وأباطيل واهية يسهل الرد عليها: فإنْ كان ساحرًا، فلماذا لم يسحركم أنتم أيضًا وتنتهي المسألة؟ وإنْ كان شاعرًا فهل جربتم عليه أنْ قال شعرًا قبل بعثته؟
وإنْ قُلْتم مجنون، فالجنون فَقْد العقل، بحيث لا يستطيع الإنسان أنْ يختار بين البدائل، فهل جربتم على محمد شيئًا من ذلك؟ وكيف يكون المجنون على خُلُق عظيم بشهادتكم أنتم أنه الصادق الأمين، فعنده انضباط في الملَكات وفي التصرفات، فكيف تتهمونه بالجنون؟
وكلمة {من قَبْله} [العنكبوت: 48] لها عجائب في كتاب الله منها هذه الآية: {وَمَا كُنتَ تَتْلُوا من قَبْله من كتَابٍ وَلاَ تَخُطهُ بيَمينكَ} [العنكبوت: 48] فيقول بعض العارفين {من قبله} أي من قبل نزول القرآن عليك، وهذا القول {قَبْله} [العنكبوت: 48] يدل على أنه من الجائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم كيف يقرأ وكيف يكتب بعد نزول القرآن عليه، حتى لا يكون في أمته من هو أحسن حالًا منه في أي شيء، أو في خصلة من خصال الخير.
ثم تأمل قوله تعالى: {فَلمَ تَقْتُلُونَ أَنْبيَاءَ الله من قَبْلُ} [البقرة: 91] ألاَ يدخل في روع رسول الله أنهم ربما يجترئون عليه فيقتَلوه، فيتهيب منهم، أو يدخل في نفوسهم هم، فيجترئون عليه كما قتلوا الأنبياء من قبل؛ لذلك جاءتْ الآية لتقرر أن هذا كان في الماضي، أما الآن فلن يحدث شيء من هذا أبدًا، ولن يُمكنكم الله من نبيه.
وكلمة {وَمَا كُنتَ} [العنكبوت: 48] تكررت كثيرًا في كتاب الله، ويُسمونها في الزمن الماضي، والحاضر، والمستقبل.
كما في قوله تعالى: {وَمَا كُنتَ بجَانب الغربي إذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر} [القصص: 44].
وقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ ثَاويًا في أَهْل مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهمْ آيَاتنَا} [القصص: 45].
وقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهمْ إذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44].